إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
93349 مشاهدة
الإيمان بالغيب

والأحكام في الآخرة على الأرواح والأبدان، وأما البرزخ فالأحكام على الأرواح، والأبدان تبع لها، ونحن نعلم أن البدن جثة بعد الموت يصير إلى الفناء والعدم، وأما الروح فإنها هي التي تتألم وتتعذب، ونعلم أن الروح لا تدركها أبصارنا كما أننا لا ندرك الجن ولا الشياطين ولا الملائكة ولا نراهم، فإذن كيف تكذبون بشيء لا تحيط به أبصاركم ولا تقدرون على تصوره؟!
فعرفنا بذلك أن واجب الإنسان أن يصدق بالغيب مما أخبر الله به، أو أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يقينًا، وسواء أدركته العقول أم قصرت ويدخل في هذا: الإيمان بما وقع للنبي - صلى الله عليه وسلم - من الوقائع التي قد يستبعدها بعض الناس، وكذلك أيضًا ما وقع للأنبياء عليهم السلام قبله ، وكذلك ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - من أشراط الساعة، وما أخبر به من عذاب البرزخ وأموره، وما أخبر الله به من البعث والنشور، والجزاء على الأعمال، والجنة والنار، وما يكون في يوم القيامة ، كل ذلك داخل في الإيمان بالغيب ؛ وما ذاك إلا لأنه غائب عن الأنظار، وإنما يُعتمد فيه على الخبر.
والخبر إذا جاء عن الصادق المصدوق وجب قبوله وتقبله، ولو استبعدته العقول وأحاله من أحاله ، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة بل والمسلمين عامة؛ فإن المسلمين الذين صدقوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - يلزمهم أن يصدقوه بما أخبر به ، ولو لم تدركه عقولهم ، أما الذين لا يصدقونه مطلقًا ، أو يقبلون بعض ما جاء به فهؤلاء ليسوا حقًّا من أتباعه.
فمثلاً الفلاسفة الإلهيون، يكذبون بما أخبر الله به من بدء الخلق ، وينكرون أن يكون لهذا الخلق أول ، أو يكون له آخر، فينكرون أن آدم خُلق من تراب، بل يعتقدون أن هذا الجنس من الناس قديم لم يبدأ، ولم يكن له أول، ولم يزل هكذا دائمًا وأبدًا، ليس له مبتدأ وليس له نهاية، وينكرون قيام الساعة، وينكرون بعث الأجساد، وينكرون انقطاع هذا الجنس من الناس ويقولون: هكذا تبقى هذه الدنيا دائمة؛ أرحام تدفع ، وأرض تبلع من غير نهاية، هكذا معتقدهم.
فكذبوا بما أخبر الله به وبما أخبر به رسوله، وما ذاك إلا أنهم لم تصل معرفتهم إلى الإيمان الصحيح، فوقعوا فيما وقعوا فيه من هذا الشك، وهم مثل من قال الله تعالى فيهم أنهم: فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (التوبة:45) .
هذا الفرق بين المسلمين وبين الفلاسفة، وهم يقرون بالإله، ويقرون بأن هذا الخلق مخلوق وله خالق مدبر، وإن كان اعترافهم بذلك عن طريق العقل لا عن طريق النقل اعترف بذلك كبيرهم الذي يرجعون إليه والذي يقال له: أرسطو ويسمى عندهم (المعلم الأول)، وله مؤلفات موجودة مطبوعة تباع بأغلى الأثمان مشتملة على هذه العقائد السخيفة، وتبعه من المسلمين أكابر الفلاسفة كابن سينا ومع الأسف لا يزال مقدسًا عند كثير من المنتمين إلى الإسلام، وكذلك الفارابي وسمي عندهم (المعلم الثاني)، وكلهم من غلاة الفلاسفة الذين ينكرون الغيب.
وهناك طائفة السمنية ذكروا أنهم ينكرون ما لا يدركون بإحدى الحواس، لا يقرون إلا بما أدركوه بحاسة من الحواس الخمس، وهم الذين ناظروا جهمًا في ربه، حيث لقي طائفة من السمنية، فسألوه: هل لك رب؟ قال: نعم, فقالوا له: هل رأيت ربك ؟ قال: لا, قالوا: هل سمعت صوته وكلامه؟ قال: لا, قالوا: مسسته بيديك ؟ قال: لا, قالوا: هل شممت رائحته ؟ قال: لا, قالوا: إذن هو معدوم ، فبقي متحيرًا، ثم إنه تذكر وقال لأحدهم - وهو رئيسهم - هل لك روح؟ أو هل لك عقل؟ فقال: نعم, قال: هل رأيت عقلك أو روحك؟ قال: لا, قال: هل شممته؟ هل مسسته أو ذقته؟ هل سمعته؟ قال: لا, فقال: إذًا ليس لك عقل أو ليس لك روح , فعند ذلك رجعوا إلى أن يقولوا هذا القول المبتدع، فاعترفوا بالرب ولكنهم وصفوه بصفات لا يثبت معها إله معبود، أو رب معبود.
هذه الطائفة ينكرون ما سوى المحسوسات، لكن طائفة الفلاسفة أخص من هؤلاء؛ فالفلاسفة قسمان:
أ- فلاسفة طبيعيون؛ وهم الذي ينكرون الخلق والخالق ويقولون: إن هذه طبيعة، وإن هذا الوجود طبيعة، هكذا وجدت ولا يتغير عن الطبيعة وقد أنشد الشيخ الحكمي رحمه الله في قصيدته الجوهرة الفريدة قوله:
ولا نُصيخ لعصري يفوه بمـا 
يُناقض الشرع أو إيـاه يعتقـد
يرى الطبيعة في الأشيا مؤثرة أين الطبيعة يا مخذول إذ وُجدوا
يقول: أين الطبيعة قبل أن يوجدوا، فهذا من عقائد الفلاسفة الطبائعيين الذين لا يقرون بإله.

ب- فلاسفة إسلاميون كابن سينا وابن رشد والفارابي ونحوهم فهؤلاء يقرون بأن هناك إلهًا، ولهذا يسمون الفلاسفة الإلهيون، ولكن معتقدهم أنهم لا يؤمنون بالغيب.
فالمسلمون - والحمد لله - يعرفون ما يعتقدونه، ويدينون بأن الخلق له خالق، وأن الخالق أمرهم بالأعمال، وأنه يجازيهم على الأعمال، وإذا لم يجازوا في الدنيا فإنهم سوف يلقون جزاءهم في الآخرة، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.